العلاقة بين إستراتيجية الأعمال ومخاطر هبوط التدفقات النقدية التشغيلية: هل هناك دور وسيط أم منظم للتحفظ المحاسبي ؟ دراسة اختبارية على الشركات المساهمة المصرية

الهدف: استهدف البحث، اختبار العلاقة المباشرة بين إستراتيجية الأعمال بأنواعها المختلفة؛ طبقاً لتصنيف Miles and Snow, (2003, 1978)، مقيساً باستخدام المقياس المطور لدراسة Bentley et al. (2013)، ومخاطر هبوط التدفقات النقدية التشغيلية؛ معبراً عنها بجذر تدني التدفقات النقدية التشغيلية فى لحظة جزئية، مقيسة بنموذج Biddle et al. (2012)، بالإضافة إلى، اختبار ما إذا كان التحفظ المحاسبي بنوعيه (المشروط وغير المشروط) يلعب دوراً وسيطاً فى تفسير العلاقة المباشرة موضع الاهتمام، أم منظماً لها.
المنهجية والتصميم: اعتمد البحث، على سلسلة زمنية من البيانات الأرشيفية (Archival Data Methodology)، من خلال تشغيل برنامج Stata (V.17)، وتطبيق نموذج تحليل المسار (Path Analysis) – لاختبار الدور الوسيط للتحفظ المحاسبي بنوعيه، وذلك بشكل غير مباشر. كذلك، تم تطبيق نموذج General Method of Moments (GMM) – لاختبار الدور المنظم للتحفظ المحاسبي بنوعيه ومعالجة مشكلة  (Endogeneity) المرتبطة باحتمالية التأثير المتبادل بين إستراتيجية الأعمال بأنواعها المختلفة ومخاطر هبوط التدفقات النقدية التشغيلية، مع استخدام أسلوب (Robust Standard Errors) للتخلص من مشاكل الارتباط الذاتى بين الأخطاء (Autocorrelation)، وعدم تماثل التباينات (Heteroskedasticity)، وذلك باستخدام عينة ميسرة وحكمية من الشركات غير المالية المتداول أسهمها ببورصة الأوراق المالية المصرية، والبالغ عددها (104) شركة، خلال السلسلة الزمنية الممتدة من عام 2014 حتى عام 2023، على أن تبدأ فترة تقدير نموذج البحث من عام 2018، تسهيلاً لعملية حساب متغيرات البحث محل الاهتمام.
النتائج: أظهرت النتائج بصفة عامة، عدم وجود علاقة مباشرة بين إستراتيجية الأعمال بأنواعها المختلفة ومخاطر هبوط التدفقات النقدية التشغيلية فى بيئة الأعمال المصرية، وذلك نتيجة لمشروطية تلك العلاقة المباشرة على حالة متغير ثالث؛ ألا وهو التحفظ المحاسبي بنوعيه (كمتغير منظم لقوة واتجاه هذه العلاقة)، خاصة بعد التحقق من عدم صلاحية التحفظ المحاسبي بنوعيه فى أن يتوسط العلاقة المباشرة محل البحث. كما، أوضحت النتائج، وجود أثر منظم موجب (سالب) للتحفظ المحاسبي المشروط (غير المشروط) على العلاقة المباشرة محل البحث. بالتالى، فإن أثر إستراتيجية الأعمال بأنواعها المختلفة على مخاطر التدفقات النقدية التشغيلية لا يتحدد فقط بطبيعة إستراتيجية الأعمال وحدها، بل يتشكل ضمن إطار أوسع يشمل الممارسات المحاسبية المتعلقة بالتحفظ المحاسبي بنوعيه. إلا إن، التحفظ المحاسبي المشروط لا يعمل بالضرورة كأداة مستقلة لتدنية مخاطر هبوط التدفقات النقدية التشغيلية، خاصة فى ظل ارتفاع مستوى تطبيق التحفظ المحاسبي المشروط مقارنة بنظيره غير المشروط، وذلك داخل عينة الشركات محل البحث. بما قد يؤدي، في ظل تبني إستراتيجية الأعمال الريادية (مقابل الدفاعية) مرتفعة المخاطر، إلى إعطاء إنطباعاً مفرطاً بالتشاؤم المحاسبي، بما يُسهم فى رفع تقديرات مخاطر هبوط التدفقات النقدية التشغيلية نتيجة المبالغة في الاعتراف بالخسائر المحتملة.
على النقيض، يعمل التحفظ المحاسبي غير المشروط كآلية استباقية تحصينية، نتيجة تسجيل الخسائر بناءً على تقديرات حذرة وغير مرتبطة مباشرة بحدوث وقائع سلبية محددة، بما يُعزز قدرة الشركات على امتصاص الصدمات الناتجة عن طبيعة إستراتيجيات الأعمال ذات الطابع الديناميكي مرتفعة المخاطرة. من ثم، فإن تطبيق التحفظ المحاسبي غير المشروط فى الحدود المعقولة يُسهم في موازنة المخاطر المصاحبة لإستراتيجيات الأعمال الريادية، ويُحسّن من الانضباط المالي في ظل ارتفاع مستوى عدم التأكد، في حين أن غياب هذا النوع من التحفظ المحاسبي في ظل تبني إستراتيجيات الأعمال الدفاعية، قد يُضعف القدرة على الاستجابة للمخاطر المفاجئة، حتى وإن كانت البيئة التشغيلية أقل تعقيداً. وعليه، يوصي الباحث، بضرورة مواءمة مستوى التحفظ المحاسبي مع طبيعة الإستراتيجية المتبعة، بحيث يتحقق توازن بين الحذر المحاسبي والتمثيل العادل للأداء المتوقع، تجنباً للوقوع في ممارسات تضعف من دقة التنبؤ بالتدفقات النقدية التشغيلية.
الأصالة/ القيمة: فى حدود علم الباحث، يعد البحث الحالى من أوائل البحوث فى بيئة الأعمال المصرية، التى اهتمت بمناقشة الجدل القائم فى الأدبيات المحاسبية، حول ما إذا كان التحفظ المحاسبي بنوعيه (المشروط وغير المشروط) يلعب دوراً وسيطاً فى تفسير العلاقة المباشرة محل البحث، أم منظماً لها. وذلك من خلال، تقديم أدلة عملية من واقع بيئة الأعمال المصرية. بالإضافة إلى، إلقاء الضوء على التأثيرات المختلفة للعلاقة التكاملية بين إستراتيجية الأعمال بأنواعها المختلفة والتحفظ المحاسبي بنوعيه على مخاطر هبوط التدفقات النقدية التشغيلية، وذلك من واقع الممارسة العملية للشركات فى بيئة الأعمال المصرية.